السعودية- من محطة نفط إلى محور قرار ودولة مؤثرة.

المؤلف: عبداللطيف آل الشيخ08.22.2025
السعودية- من محطة نفط إلى محور قرار ودولة مؤثرة.

ليس بمقدور جميع الدول ابتكار الأفكار الخلاقة، وحتى من يستطيع ذلك ليس بالضرورة أن يحولها إلى حقيقة ملموسة، إلا أن المملكة العربية السعودية قد تفوقت في كلا الأمرين بجدارة واستثنائية.

هنا مكمن الإشكالية.. ليست بالنسبة للمملكة، بل لأولئك الذين يعجزون عن استيعاب مكانة المملكة الرفيعة وهالتها المتألقة.

إن رؤية السعودية اليوم، وهي شامخة بسيادتها، تتخذ قراراتها السيادية باستقلالية تامة، وتنطلق برؤيتها الطموحة بثقة لا متناهية نحو مستقبل زاهر، يثير حنق البعض ويخنقهم، فهؤلاء لا تهزمهم الحروب ولا الأسلحة الفتاكة، بل تفتك بهم "الفكرة" ذاتها.

فكرة أن المملكة العربية السعودية أصبحت صاحبة الصوت المسموع، والموقف الذي يُحسب له ألف حساب، والدور المحوري الذي يحدث فرقًا جوهريًا في موازين القوى الإقليمية والعالمية.

لم تعد السعودية مجرد دولة "متفرجة" على الأحداث الدولية، بل غدت صانعة للمشهد، ومحركة للمياه الآسنة، ومهندسة لخريطة جديدة من النفوذ والتأثير.

ففي مجال السياسة، نجدها صاحبة مبادرة السلام العربية، وراعية القمم الكبرى التي تجمع القادة وتوحد الرؤى.

وفي المجال الأمني، تعتبر حليفًا لا يستهان به في مكافحة الإرهاب، ووسيطًا نزيهًا يسعى لحل النزاعات وتضميد الجراح.

أما في الاقتصاد، فهي دولة تستثمر في المستقبل، من خلال مشاريع عملاقة مثل نيوم، والتحول نحو الطاقة الخضراء، والاستثمار في الذكاء الاصطناعي، وتشكيل معادلات جديدة في عالم الطاقة والتكنولوجيا.

ليست هذه مجرد أدوار "تجميلية" لتحسين صورة المملكة، بل هي أدوات حقيقية وفاعلة في صناعة القرار الدولي وتوجيه السياسات العالمية.

وهنا بالتحديد، تنطلق موجة الغضب العارمة لدى أولئك الذين لا يطيقون فكرة أن تكون الرياض رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه أو تجاهله.

يبدأون بتأليف التقارير المغرضة، والتآمر في الخفاء، وتحريك أدواتهم الإعلامية والاستخباراتية المأجورة، والاختباء خلف شعارات زائفة مثل "الحرية" و"العدالة" و"حقوق الإنسان"، وكل ذلك لمجرد أن من تبنى قضايا العرب والمسلمين، هي السعودية بثقلها الذي لا يُشترى، وصوتها الذي لا يُكمم، وقرارها الذي لا يُملى عليها.

تزعجهم الفكرة الجديدة عن السعودية، فالسعودية لم تعد مجرد "محطة نفط" بل تحولت إلى "محور قرار" إقليمي ودولي.

وأنها لا تشتري الولاءات بالمال، بل تفرض احترامها على الجميع، حتى على أولئك الذين يكنون لها العداء.

يزعجهم أن المملكة لا تحتاج إلى الصراخ لإثبات وجودها، فمجرد حضورها الفاعل كافٍ لإرباك الحسابات، وإعادة ترتيب الأولويات على الساحة العالمية.

ففي ملف القضية الفلسطينية، يصرخون ليل نهار بأن لا أحد يدعم القضية الفلسطينية.

ولكن عندما تتحرك الرياض بقرار شجاع وموقف عملي ملموس، لا بالأقوال والشعارات الرنانة، بل بالأفعال والإنجازات الحقيقية، يبدأون بالتشكيك في النوايا والطعن في المصداقية.

لماذا؟

لأنهم يدركون تمام الإدراك أن نجاح السعودية في هذا الملف تحديدًا يعني فضح زيف ادعاءاتهم وكشف عجزهم.

لأن ما كانوا يتاجرون به على مدى عقود من المزايدات الفارغة، جاء من يحققه بصمت وهدوء وباسم المملكة العربية السعودية.

هم لا يكرهون السعودية لأنها أخطأت، بل لأنهم عاجزون عن مجاراتها عندما تصيب، ولا يزعجهم ما تقوله بل ما تفعله على أرض الواقع، ولا يخشون صوتها، بل يخشون تأثيرها المتزايد.

فالذين يزعجهم تأثير السعودية اليوم، لا يختلفون كثيرًا عن أولئك الذين يكرهون النور لأنه يكشف قبح نواياهم.

إنهم يريدون "سعودية أخرى" ضعيفة، مترددة، تابعة، تقف في طابور الانتظار لتنال رضا هذا الطرف أو ذاك.

لكن السعودية اليوم هي من تسعى لإرضاء نفسها فقط، وتحترم نفسها أولاً وقبل كل شيء، فيحترمها الآخرون رغمًا عنهم لا اختيارًا.

لقد تغير الواقع، وتبدلت الخارطة، والبوصلة لم تعد تشير إلا إلى مركز واحد، ألا وهو الرياض عاصمة القرار.

فسعودية اليوم ليست مجرد جزء من المشهد، بل هي من ترسم ذلك المشهد ببراعة واقتدار.

وليست طرفًا في المعادلة، بل هي جوهر المعادلة ومحركها الأساسي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة